Share

طب الطوارئ: تخصص لا مثيل له   

كتابة:ويل ساندرسون، داني كويڤس، روب روجرز

ترجمة: نواف العمري

تخيل أن تدخل إلى المستشفى لبداية يومك. صفارات سيارات الإسعاف يدوي ضجيجها، غرف الانتظار تعج مزدحمةً، والأطفال يعلو صوت بكائهم. تخوض في غمار هذا البحر البشري حتى تصل إلى مقر عملك. ‏‏بعد أن تضع حقيبتك، تجهزأدوات حرفتك: سماعاتك الطبية، كوبٌ من القهوة الطازجة وذهنٌ متقد. ‏تأخذ نفسا عميقا، تستعد لروتين مناوبة أخرى، ولكن في الحقيقة .. ليس هناك روتين، هنالك فقط الحماس والتشوق لتنوع و اختلاف الحالات التي ستدخل من هذا الباب. تلك القطعة من المعدن والزجاج هي الحاجز الوحيد الذي يفصلك عن آلافٍ من الناس الذين يعانون من العديد من العلل الصحية، أي علة منها قد تأتي بصاحبها إلى بابك. بصريرً خفيفٍ يكاد يكون صامتا؛ ينفرج ذاك الباب ليكشف لك عن مريضك القادم. بالنسبة له، هذا أسوأ يوم في حياته. بالنسبة لك، هذا مجرد يوم ثلاثاءٍ آخر.

  ‏من سيكون المريض ‏التالي هل هو الطفل ذو الأربع سنوات الذي أتت به أزمة ربو حادة جعلته يهلع من أجل نفسه القادم؟ أم سيكون الأرمل ذو الـ78 سنة الذي سقط في المنزل بينما كان يعد لنفسه شطيرة؟ أم ربما قد تكون المرأة ذات الـ31 عاما التي اصدمت بمؤخرة سيارةٍ أخرى على الطريق السريع .. أوه هل ذكروا لك بأنها حامل في الأسبوع الثامن والعشرون؟

تلقي نظرة فترى المرضى الجدد يملؤون غرف الفحص ومركز الصدمات.  مهما كانت الحالة التي ستدخل من ذلك الباب ستكون مستعدا لها. فتجلس، تأتي بورقتك .. انه وقت العمل، اليوم سيكون يوما مذهلا كالعادة.

لماذا قد تختار طب الطوارئ؟ قبل أن نناقش إلى أين سيتوجه هذا التخصص مستقبلا، من المهم الحصول على خلفية بسيطة عن أين كان تخصص طب الطوارئ. فإن كنت تقرأ هذا المقال بينما تفكر في امتهان طب الطوارئ، أسدِ لنفسك معروفا و استقطع وقتا لمشاهدة هذا الفيديو الوثائقي من منظمة الأطباء المقيمين لطب الطوارئ (EMRA). كما ستشاهد، تخصص طب الطوارئ تطور تطورا مهولا في العقود الماضية و يستمر بتزايد في كونه اختيارا مرغوبا و ذا شعبية بين طلاب الطب المتخرجين.

 قبل عقودٍ قليلةٍ من الزمن، كان قسم الطوارئ يشغله أطباء من مختلف التخصصات الطبية. الغالبية العظمى من هؤلاء لم يحظوا بالتدريب الكافي في طب الطوارئ. جراحون، أطباء أسرة، أطباء أعصاب و حتى أطباء نفسيون كانوا من ضمن من يشغل قسم الطوارئ في البلاد و حول العالم. لكن من بعد تأسيس أول برنامج تدريب إقامة لطب الطوارئ في السبعينات من القرن الماضي و من ثم تباعا تأسيس البورد الأمريكي لطب الطوارئ في 1997، استمر التخصص في تطورٍ و صعودٍ سريع حتى كون لنفسه مكانة بين التخصصات الطبية. 

اذهب إلى أي قسم الطوارئ و على الأرجح أنك ستجد طبيبا مقيما في طب الطوارئ. دراسةٌ نشرت في عام 2008  توضح انه على الرغم من تاريخه القصير نسبيا كتخصصٍ حديثٍ و منظم، عدد شاغلي قسم الطوارئ الذين حصلوا على تدريب في طب الطوارئ قفز من 0%  إلى 70%. 

فما سبب هذا التغير المذهل؟ لإستيعاب الإجابة على هذا السؤال، عليك أن تلقي نظرة أعمق على الممارسة الفعلية و على أسلوب الحياة لطبيب الطوارئ في وقتنا الحاضر.

لماذا قد تختار طب الطوارئ؟

طب الطوارئ تخصصٌ سريع الوتيرة، يعتمد على العمل الجماعي، حيوي، يعتمد على التقييم السريع و المعالجة لمجموعات متنوعة من المرضى

 تتكون من الأطفال و البالغين على حدٍ سواء. 

باعتباره المعالج الأول للكثير من هؤلاء المرضى؛ طبيب الطوارئ مسؤول عن التقييم السريع للحالة و جمع المعلومات اللازمة لطلب الفحوصات و لمعالجة العديد من الحالات المتنوعة التي قد تأتي بالمرضى الى قسم الطوارئ.  لعمل طبيب الطوارئ تأثيرعظيم على جودة الرعاية حيث أنه  يمثل القوة المحركة  للمزيد من الرعاية الطبية، سواءً تم استقبال المريض في المستشفى أو سمح له بالخروج إلى المنزل، يلعب طبيب الطوارئ دورا محوريا و هاما في تحقيق كلا من الرعاية الطبية قصيرة المدى و الرعاية طويلة المدى بعد مغادرة المريض لقسم الطوارئ. هنا نلقي نظرة على حياة عدد من أطباء الطوارئ يقدمها روب أورمان من مدونة ERcast.

 التنوع هو نكهة الحياة في طب الطوارئ، ليس هناك روتين محدد أو قائمة متوقعة للمرضى في هذا اليوم. في الفترة القصيرة للمناوبة، قد تشخص ألتهابا في الحلق، ثم تقوم بتنبيب مريض لا يستجيب بسبب جرعة زائدة من مخدر الهيروين، ثم تكتشف تشخيص سرطان لمريض شاب أتى بأعراضٍ مشابهة للإنفلونزا، تصحح كتفا مخلوعا، تضع أنبوبا صدريا في مريض يعاني من نزيف صدري، و تنعش مريضا في خضم نوبة قلبية. مريضك الآتي قد يكون طفلا عمره 6  سنوات و قد يكون رجلا تجاوز75  سنة، أتى كلاهما بألم في البطن. في وضعٍ معينٍ قد تراه أنت كفوضى، يجد أطباء الطوارئ النظام. إنه لأمر يثير الحماس و النشاط! هذا التنوع يعتبر تحديا فريدا من الطب الممارس في قسم الطوارئ.

أطباء الطوارئ يعتمدون على معرفة واسعة تمتد عبر كل التخصصات الطبية بيما في ذلك؛ طب الرئة، طب القلب، طب الجهاز الهضمي، جراحة الإصابات و الحوادث، طب الكلى، طب العيون، الطب النفسي، و طب الأعصاب. خبيرٌ في كل التخصصات؟ طبعا. متقنٌ لأيٍ منها؟ بعيدٌ كل البعد عن ذلك. 

رأب تلك الفجوة بين التخصصات الباطنية و التخصصات الجراحية يعتبر من ضمن ممارسات طب الطوارئ. الجمع بين معرفة طبية واسعة  و القدرة على تنفيذ إجراءات يدوية تتطلب مهارات دقيقة يجعل طبيب الطوارئ فعال و مفيد كأنه سكين الجيش السويسري بالنسبة للمستشفى.

التنوع هي كلمة لا تعرّف طب الطوارئ فحسب بل تعرّف أيضا نمط المعيشة الذي يوفره. هل أنت شخصٌ صباحي يصحو مع بزوغ الفجر و يفضل التفكير بذهنٍ نشيط بعد وجبة الإفطار؟ أم أنت بومة ليلٍ يشعر بالنشاط في آخر ساعات الليل بينما الكل نيام؟ هل أنت ممن يفضل الاستمتاع بنهاية الأسبوع و يفضل إبقاء جدوله مفتوحا فيها؟ أم تفضل العمل أثناء اليوم ليتسنى لك أن تُقِل أبناءك بعد نهاية يومهم الدراسي؟ بغض النظر عن تفضيلك، نظام المناوبات في طب الطوارئ يوفر درجة عالية من المرونة لا تُرى في أي تخصص طبي آخر.

 أطباء الطوارئ يديرون الازدحام و الصخب و الحالات في قسمهم لعددٍ محددٍ من الساعات، بعد ذلك يأتي طبيبٌ جديدٌ جاهز لتولي المهمة. بعد انتهاء مناوبته، الطبيب السابق يسلم مهمة رعاية المرضى إلى الفريق المقبل مع الخطة التشخيصية و العلاجية لهم. بهذه الحال، بإمكانه مغادرة المستشفى من دون حمل أي شيء من العمل معه إلى المنزل. طبيعة العمل بالمناوبات تمكّن أيضا من مقايضة المناوبات بين الأطباء. أتريد أسبوع إجازة في شهر أبريل لقضاء بعض الوقت على الشاطئ؟ طالما خططت لذلك مبكرا، لن تواجه مشكلة في ذلك. بالقليل من التخطيط من الممكن جدا أن لا تفوّت أي حدث عائلي/حياتي يهمك.

في مجال طب الطوارئ، الأطباء قد يعملون في العديد من الأوضاع. أوضاع تمتد من أقسام الطوارئ المستقلة أو في المستشفيات، أقسام العناية الطارئة، وحدات الملاحظة الطبية، الخدمات الطبية الطارئة، أو حتى بالتطبيب عن بعد.

 أعداد المرضى، حتى في المنشآت المتقاربة قد تختلف اختلافا شاسعا. بعض المنشآت محددة كمراكز للإصابات و الحوادث و بعضها لا. هناك منشآت متعاونة مع مراكز أكاديمية تتيح دعم كبيرا للتخصصات الدقيقة و بعضها مراكز صحية محدودة الموارد. 

أيا كانت رغبتك هناك الكثير من أماكن العمل التي تلبي احتياجاتك المهنية. لكن لنذهب إلى السؤال الحقيقي أمامنا: هل أطباء الطوارئ راضون عن تخصصهم؟ هذا هو لب الموضوع لأي نقاش عن الخيارات المهنية.

 كم هو مفجع أن تستوعب بعد أن قضيت عقدا من الزمن في كلية الطب و في برنامج الإقامة أن طب الطوارئ ليس مناسبا لك؟

 حسنا، في 2015،  اتى أطباء الطوارئ رابعا  في إجمالي الرضا المهني مقارنة بباقي التخصصات الطبية. 60%  من أطباء الطوارئ المشاركين في الدراسة كانوا راضين عن دخلهم المادي. 

أطباء الطوارئ بالعادة يعملون بجهد أكبر لساعات أقل مقارنة بباقي الأطباء و يتمتعون بأجر للساعة أعلى من المتوسط. 

في الأسفل، يقوم د.كيڤن كينق من جامعة تكساس للعلوم الصحية مركز سان أنتونيو بمناقشة الإيجابيات و السلبيات لطب الطوارئ: Pros and Cons of a Career in Emergency Medicine

كما ترى، الحياة كطبيب طوارئ ليست مناسبة للجميع. آطباء الطوارئ يعانون من معدلات أكبر من الاحتراق الوظيفي. على الرغم من ذلك، حبث يتطور المجال و صحة الطبيب تصبح أولوية لكل الأطباء، حتما سيتحسن هذا الوضع. إن كانت الصفات المذكورة مسبقا متسقة مع ما تبحث عنه في تخصص ما، طب الطوارئ قد يكون فعلا مناسبا لك.

للمراجع و للاستزادة